كثرت الآراء وتعددت بالنسبة لتاريخ مدينة الناصرة، كما واختلفت الآراء بالنسبة لاسمها،
ويوجد من يقول إنها يهودية, ومن قائل هذا وذاك.
ومن الأرجح أن نقول أن بلدة قديمة جدا يعود تاريخ تأسيسها إلى الكنعانيين, العرب كغيرها من المستوطنات التي أسست في تلك الفترة: مجيدو، عكو، قطرون، اكزيب، رقات، بيت رمان، نهلول، ساريد، يافو ايافيع - الخ. وهناك رأي يقول أنها بنيت على إنقاض مستوطنة رومانية.
من المعروف أن الناصرة لعبت دورا هاما في التاريخ حيث أن وقوعها على الطرق التجارية الرئيسية والهامة التي كانت تربط شمال فلسطين بجنوبها، و شرق الأردن بمدن الشاطئ أعطاها مركزا استراتيجيا هاما، وتحولت الناصرة إلى محطة تجارية هامة ورئيسية على هذه الطرق، ونشا فيها مركز تجاري هام ومخازن للحبوب.
ذكرت الناصرة في الماضي على انها بلدة ابل الكنعانية، وقد أيد هذا الرأي صاحب معجم ما استعجم: 1310-4، المتوفى عام 487 للهجرة، حيث قال: ' نصورية' قرية بالشام, اليها تنسب النصرانية وهي آبل وتعرف بناصرة.
وفي العصر اليوناني عرفت باسم سعير، وللاسم عدة مدلولات منها: أشعر(أي كثير الشعر)، كبش الفداء، ورذاذ، وهناك الساعير وهو حيوان خرافي عند الإغريق، ونحن بدورنا نميل لمفهوم كبش الفداء تحقيقا للنبوءة التي وردت في التوراة: 'جاء الله من سيناء، يريد مناجاته لموسى على طور سيناء، واشرق من ساعير: إشارة إلى ظهور عيسى عليه السلام من الناصرة'.
وذكر جبل ساعير صاحب معجم البلدان بقوله: ساعير: في التوراة اسم لجبال فلسطين... وهو قرية الناصرة...
وقال الهروي المتوفى عام 611 هجري: وجبل ساعير قريب من الناصرة، وذكره شيخ الربوة المتوفى عام 727 للميلاد في صفحة 212 من كتابه ' نخبة الدهر في عجائب البر
والبحر' بما يأتي: ' ومن أعمال صفد أيضا مدينة الناصرة وهي مدينة عبرانية تسمى 'ساعير' ومنها ظهر المسيح عليه السلام وموضع البشارة به الملائكة لامه مريم عليها السلام يزوره النصارى وغيرهم, و في التوراة تسميتها وتسمية مكة شرفها الله تعالى لتبيين رسالتي السيد المسيح ومحمد صلى الله عليه
و سلم، وذلك ما ترجمته: 'جاء الله من سيناء: يعني موسى ابن عمران والتوراة واشرق من ساعير' يعني المسيح الناصري الذي خرج من الناصرة وجبال الساعير جبال الناصرة واستعان بفاران وبرية فاران' يعني أن مكة والحجاز والنبي محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن' وأهل الناصرة كانوا مفتاح دين النصرانية ومنشأه وأساسه وذلك في زمن قسطنطين.
وكتب عن هذه الجبال مؤلف 'نهاية الأرب فنون الأدب' المتوفى سنة 733 للهجرة بما يأتي: 'ساعير جبل بالشام ومنه ظهرت نبوة عيسى بن مريم عليه السلام وبالقرب منه قرية الناصرة التي ولد بها' وجبل ساعير هو ما يعرف اليوم بجبل النبي سعين ويعلو 600 قدم فوق عين العذراء وقمة النبي سعين من أوسع مشارف البلاد. وفي أعلى نقطة منها وعلى نحو 100 خطوة من سور ميتم اللاتين يقع مقام النبي سعين وأليه ينسب كل الجبل، فيدعى جبل النبي سعين.
لم يرد للناصرة ذكر في المصادر اليهودية ألا بعد تدمير القدس على يد الرومان (67 للميلاد)، وبعد تدمير القدس هاجر أليها فئة من اليهود واستوطنوها وأقاموا فيها حراسة الكهان الثامنة عشره، والتي عرفت باسم 'بيت فيصاص'. ثم ذكرها الرابي اليعازار الكليد في مناحته في منتصف القرن السابع، أما المؤرخ الروماني افيفينوس فذكرها بالمئة الرابعة بأنها مدينة يهودية طاهرة (أي خالية من أي عنصر غير يهودي) ومن المعلوم أن العائلة المقدسة سكنتها قبل هذه الفترات بمئات السنين.
ذكر اليعقوبي (260 هجري 874 ميلادي) أن يحيى بن زكريا كان يعمد المعمودية للتوبة وكان لباسه وبر الإبل، وان المسيح عليه السلام جاء من ناصرة الجليل ليتعمد على يديه في الأردن.
وعن المسعودى (332 هجري 943 ميلادي) قيل: 'أن المسيح كان في قرية يقال لها الناصرة من بلاد اللجون من أعمال الأردن، وبذلك سميت النصرانية، ورأيت في هذه القرية كنيسة تعظمها النصارى، وفيها توابيت من حجارة فيها عظام يسيل منها زيت كالرب تتبارك به النصارى'.
واثبت الهروي أن الناصرة مدينة فيها دار مريم ابنة عمران وبها كانت، ولهذا يقال نصارى، وجبل سعير قريب منها.
وفي معجم البلدان لياقوت الحموي (623 هجري 1225 ميلادي) أن الناصرة قرية بينها وبين طبريا ثلاثة عشر ميلا فيها كان مولد السيد المسيح عليه السلام بن مريم، ومنها اشتق اسم النصارى وكان أهلها عيروا مريم... فيزعمون انه لا تولد بكر إلى هذه الغاية، واهل القدس يأبون ذلك، ويزعمون أن المسيح إنما ولد في بيت لحم وأن آثار ذلك عندهم ظاهرة وإنما انتقلت به أمه إلى هذه القرية.